«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (2/ 76):
«سورة البقرة (2): آية 114
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ”” مَنْ” رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، و” أَظْلَمُ” خبره، والمعنى لا أحد أظلم. و” أَنْ” فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ” مَساجِدَ”، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ، ثُمَّ حُذِفَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا، وَحَرْفُ الْخَفْضِ يُحْذَفُ مَعَ” أَنْ” لِطُولِ الْكَلَامِ. وَأَرَادَ بِالْمَسَاجِدِ هُنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمَحَارِيبَهُ. وَقِيلَ الْكَعْبَةُ، وَجُمِعَتْ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الْمَسَاجِدِ أَوْ لِلتَّعْظِيمِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ، وَالْوَاحِدُ مَسْجِدٌ (بِكَسْرِ الْجِيمِ)، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: مَسْجَدٌ، (بِفَتْحِهَا). قَالَ الْفَرَّاءُ:” كُلُّ مَا كَانَ عَلَى فَعَلَ يَفْعُلُ، مِثْلَ دَخَلَ يَدْخُلُ، فَالْمَفْعَلُ مِنْهُ بِالْفَتْحِ اسْمًا كَانَ أَوْ مَصْدَرًا، وَلَا يَقَعُ فِيهِ الْفَرْقُ، مِثْلُ دَخَلَ يَدْخُلُ مَدْخَلًا، وَهَذَا مَدْخَلُهُ، إِلَّا أَحْرُفًا مِنَ الْأَسْمَاءِ أَلْزَمُوهَا كَسْرَ الْعَيْنِ، مِنْ ذَلِكَ: الْمَسْجِدُ وَالْمَطْلِعُ وَالْمَغْرِبُ وَالْمَشْرِقُ وَالْمَسْقِطُ وَالْمَفْرِقُ وَالْمَجْزِرُ وَالْمَسْكِنُ وَالْمَرْفِقُ (مِنْ رَفَقَ يَرْفُقُ) وَالْمَنْبِتُ وَالْمَنْسِكُ (مِنْ نَسَكَ ينسك)، فجعلوا»
